فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

هو على معنى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم: {من أنصاري إلى الله} وخلاصته على ما قيل: إن ما مصدرية وهي مع صلتها ظرف أي كونوا أنصار الله وقت قولي لكم ككون الحواريين أنصاره وقت قول عيسى، ثم قيل: كونوا أنصاره كوقت قول عيسى هذه المقالة، وجيء بحديث سؤاله عن الناصر وجوابهم فهو نظير كاليوم في قولهم: كاليوم رجل أي كرجل رأيته اليوم فحذف الموصوف مع صفته، واكتفى بالظرف عنهما لدلالته على الفعل الدال على موصوفه، وهذا من توسعاتهم في الظروف، وقد جعلت الآية من الاحتباك، والأصل كونوا أنصار الله حين قال لكم النبي صلى الله عليه وسلم: {من أنصاري الله} كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم عيسى عليه السلام {من أنصاري إلى الله} فحذف من كل منهما ما دل عليه المذكور في الآخر، وهو لا يخلو عن حسن، و{الحواريون} أصفياؤه عليه السلام، والعدول عن ضميرهم إلى الظاهر للاعتناء بشأنهم، وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلًا فرقهم على ما في (البحر) عيسى عليه السلام في البلاد، فمنهم من أرسله إلى رومية، ومنهم من أرسله إلى بابل، ومنهم من أرسله إلى أفريقية، ومنهم من أرسله إلى أفسس، ومنهم من أرسله إلى بيت المقدس، ومنهم من أرسله إلى الحجاز، ومنهم من أرسله إلى أرض البربر وما حولها وتعيين المرسل إلى كل فيه، ولست على ثقة من صحة ذلك ولا من ضبط أسمائهم، وقد ذكرها السيوطي أيضًا في الإتقان فليلتمس ضبط ذلك من مظانه، واشتقاق الحواريين من الحور وهو البياض وسموا بذلك لأنهم كانوا قصارين، وقيل: للبسهم البياض، وقيل: لنقاء ظاهرهم وباطنهم، وزعم بعضهم أن ما قيل: من أنهم كانوا قصارين إشارة إلى أنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم، وما قيل: من أنهم كانوا صيادين إشارة إلى أنهم كانوا يصطادون نفوس الناس من الحيرة ويقودونهم إلى الحق.
وقيل: الحواريون المجاهدون، وفي الحديث: «لكل نبي حواري وحواريي الزبير» وفسر بالخاصة من الأصحاب.
والناصر، وقال الأزهري: الذي أخلص ونقى من كل عيب، وعن قتادة إطلاق الحواري على غيره رضي الله تعالى عنه أيضًا، فقد قال: إن الحواريين كلهم من قريش أبو بكر.
وعمر.
وعلي.
وحمزة.
وجعفر.
وأبو عبيدة بن الجراح.
وعثمان بن مظعون.
وعبد الرحمن بن عوف.
وسعد بن أبي وقاص.
وعثمان بن عفان.
وطلحة بن عبيد الله.
والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
{فَآمَنَتْ طَائفَةٌ مِّنْ بَني إسْرَائيلَ} أي بعيسى عليه السلام {وَكَفَرَتْ طَائفَةٌ} أخرى.
{فَأيَّدْنَا الذين ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهمْ} وهم الذين كفروا {فأَصْبَحُوا ظاهرين} فصاروا غالبين؛ قال زيد بن علي وقتادة: بالحجة والبرهان، وقيل: إن عيسى عليه السلام حين رفع إلى السماء قالت طائفة من قومه: إنه الله سبحانه، وقالت أخرى: إنه ابن الله تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا رفعه الله عز وجل إليه، وقالت طائفة: إنه عبد الله ورسوله فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فظهرت المؤمنة على الكافرتين، وروى ذلك عن ابن عباس، وقيل: اقتتل المؤمنون والكفرة بعد رفعه عليه السلام فظهر المؤمنون على الكفرة بالسيف، والمشهور أن القتال ليس من شريعته عليه السلام، وقيل: المراد {فآمنت طائفة من بني إسرائيل} بمحمد عليه الصلاة والسلام وكفرت أخرى صلى الله عليه وسلم فأيدنا المؤمنين على الكفرة فصاروا غالبين. وهو خلاف الظاهر.
والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}
هذا خطاب آخر للمؤمنين تكملة لما تضمنه الخطاب بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة} إلى قوله: {وتجاهدون في سبيل الله} [الصف: 10، 11] الآية الذي هو المقصود من ذلك الخطاب، فجاء هذا الخطاب الثاني تذكيرًا بأسوة عظيمة من أحوال المخلصين من المؤمنين السابقين وهم أصحاب عيسى عليه السلام مع قلة عددهم وضعفهم.
فأمر الله المؤمنين بنصر الدين وهو نصر غير النصر الذي بالجهاد لأن ذلك تقدم التحريض عليه في قوله: {وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} [الصف: 11] الآية ووَعَدهم عليه بأن ينصرهم الله، فهذا النصر المأمور به هنا نصر دِين الله الذي آمنوا به بأن يبثّوه ويَثْبُتوا على الأخذ به دون اكتراث بما يلاقونه من أذى من المشركين وأهللِ الكتاب، قال تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} [آل عمران: 186] وهذا هو الذي شبه بنصر الحواريين دين الله الذي جاء به عيسى عليه السلام، فإن عيسى لم يجاهد من عاندوه، ولا كان الحواريون ممن جاهدوا ولكنه صبر وصبروا حتى أظهر الله دين النصرانية وانتشر في الأرض ثم دبّ إليه التغيير حتى جاء الإسلام فنسخه من أصله.
والأنصار: جمع نصير، وهو الناصر الشديد النصر.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر {كونوا أنصارًا لله} بتنوين {أنصارًا} وقرن اسم الجلالة باللام الجارة فيكون {أنصارًا} مرادًا به دلالة اسم الفاعل المفيد للإِحداث، أي محدثين النصر، واللام للأجْل، أي لأجل الله، أي ناصرين له كما قال تعالى: {فلا ناصر لهم} [محمد: 13].
وقرأه الباقون بإضافة {أنصار} إلى اسم الجلالة بدون لام على اعتبار أنصار كاللقب على نحو قوله: {من أنصاري}.
والتشبيه بدعوة عيسى ابن مريم للحواريين وجواب الحواريين تشبيهُ تمثيل، أي كونوا عند ما يدعوكم محمد صلى الله عليه وسلم إلى نصر الله كحالة قول عيسى ابن مريم للحواريين واستجابتهم له.
والتشبيه لقصد التنظير والتأسّي فقد صدق الحواريون وعدهم وثبتوا على الدّين ولم تزعزعهم الفتن والتعذيب.
و(ما) مصدرية، أي كقول عيسى وقول الحواريين.
وفيه حذف مضاف تقديره: لكون قولِ عيسى وقول الحواريين.
فالتشبيه بمجموع الأمرين قول عيسى وجواب الحواريين لأن جواب الحواريين بمنزلة الكلام المفرع على دعوة عيسى وإنما تحذف الفاء في مثله من المقاولات والمحاورات للاختصار، كما تقدم في قوله تعالى: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} في سورة [البقرة: 30].
وقول عيسى {من أنصاري إلى الله} استفهام لاختبار انتدَابهم إلى نصر دين الله معه نظير قول طرفة:
إن القوم قالوا مَن فتىً خلت إنني ** عُنيت فلم أكسَل ولم أتبلد

وإضافة {أنصار} إلى ياء المتكلم وهو عيسى باعتبارهم أنصارَ دعوته.
و{إلى الله} متعلق بـ {أنصاري}.
ومعنى {إلى} الانتهاء المجازي، أي متوجهين إلى الله، شبه دعاؤهم إلى الدين وتعليمهم الناس ما يرضاه الله لهم بسعي ساعين إلى الله لينصروه كما يسعى المستنجَد بهم إلى مكان مستنجِدهم لينصروه على من غلبه.
ففي حرف {إلى} استعارة تبعية، ولذلك كان الجواب المحكي عن الحواريين مطابقًا للاستفهام إذ قالوا: نحن أنصار الله، أي نحن ننصر الله على من حادّه وشاقَّه، أي ننصر دينه.
و{الحواريون}: جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو وهي كلمة معربَة عن الحبشية (حَواريا) وهو الصاحب الصفي، وليست عربية الأصل ولا مشتقة من مادة عربية، وقد عدها الضحاك في جملة الألفاظ المعرّبة لكنه قال: إنها نبطية.
ومعنى الحواري: الغسّال، كذا في الإِتقان.
و{الحواريون}: اسم أطلقه القرآن على أصحاب عيسى الاثني عشر، ولا شك أنه كان معروفًا عند نصارى العرب أخذوه من نصارى الحبشة.
ولا يعرف هذا الاسم في الأناجيل.
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام حواريَّهُ على التشبيه بأحد الحواريين فقال: «لكل نبيء حواري وحواري الزبير».
وقد تقدم ذكر الحواريين في قوله تعالى: {قال الحواريون نحن أنصار الله} في سورة [آل عمران: 52].
واعلم أن مقالة عيسى عليه السلام المحكية في هذه الآية غير مقالته المحكية في آية آل عمران فإن تلك موجهة إلى جماعة بني إسرائيل الذين أحسّ منهم الكفر لمَّا دعاهم إلى الإِيمان به.
أمّا مقالته المحكية هنا فهي موجهة للذين آمنوا به طالبًا منهم نصرته لقوله تعالى: {كما قال عيسى ابن مريم للحواريين} الآية، فلذلك تعين اختلاف مقتضى الكلامين المتماثلين.
وعلى حسب اختلاف المقامين يجرى اختلاف اعتبار الخصوصيات في الكلامين وإن كانا متشابهين فقد جعلنا هنالك إضافة {أنصارُ الله} [آل عمران: 52] إضافة لفظية وبذلك لم يكن قولهم: {نحن أنصار الله} مفيدًا للقصر لانعدام تعريف المسند.
فأما هنَا فالأظهر أن كلمة {أنصار الله} اعتبرت لقبًا للحواريين عَرَّفوا أنفسهم به وخلعوه على أنفسهم فلذلك أرادوا الاستدلال به على أنهم أحق الناس بتحقيق معناه، ولذلك تكون إضافة {أنصار} إلى اسم الجلالة هنا إضافة معنوية مفيدة تعريفًا فصارت جملة {نحن أنصار الله} هنا مشتملة على صيغة قصر على خلاف نظيرتها التي في سورة آل عمران.
ففي حكاية جواب الحواريين هنا خصوصية صيغة القصر بتعريف المسند إليه والمسند.
وخصوصيةُ التعريف بالإِضافة.
فكان إيجازًا في حكاية جوابهم بأنهم أجابوا بالانتداب إلى نصر الرسول وبجعل أنفسهم محقوقين بهذا النصر لأنهم محضوا أنفسهم لنصر الدين وعُرِفوا بذلك وبحصر نصر الدين فيهم حصرًا يفيد المبالغة في تمحضهم له حتى كأنه لا ناصر للدين غيرهم مع قلتهم وإفادته التعريض بكفر بقيّة قومهم من بني إسرائيل.
وفرع على قول الحواريين {نحن أنصار} الإخبار بأن بني إسرائيل افترقوا طائفتين طائفة آمنت بعيسى وما جاء به، وطائفة كفرت بذلك وهذا التفريع يقتضي كلامًا مقدرًا وهو فَنصروا الله بالدعوة والمصابرة عليها فاستجاب بعض بني إسرائيل وكفر بعض وإنما استجاب لهم من بني إسرائيل عدد قليل فقد جاء في إنجيل (لُوقَا) أن أتباع عيسى كانوا أكثر من سبعين.
والمقصود من قوله: {فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة} التوطئة لقوله: {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} والتأييد النصر والتقوية، أيد الله أهل النصرانية بكثير ممن اتبع النصرانية بدعوة الحواريين وأتباعهم مثل بولس.
وإنما قال: {فأيدنا الذين آمنوا} ولم يقل: فأيدناهم لأن التأييد كان لمجموع المؤمنين بعيسى لا لكل فرد منهم إذ قد قتل من أتباعه خلق كثير ومُثِّل بهم وأُلْقوا إلى السباع في المشاهد العامة تفترسهم، وكان ممن قُتل من الحواريين الحواري الأكبر الذي سماه عيسى بطرس، أي الصخرة في ثباته في الله.
ويزعمون أن جثته في الكنيسة العظمى في رومة المعروفة بكنيسة القدِّيس بطرس والحكمُ على المجموع في مثل هذا شائع كما تقول: نصر الله المسلمين يوم بدر مع أن منهم من قتل.
والمقصود نصر الدين.
والمقصود من هذا الخبر وعد المسلمين الذين أُمروا أن يكونوا أنصارًا لله بأن الله مؤيدهم على عدوّهم.
والعدوّ يطلق على الواحد والجمع، قال تعالى: {وهم لكم عدو} [الكهف: 50] وتقدم عند قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} في سورة [الممتحنة: 1].
والظاهرُ: هو الغالب، يقال: ظهر عليه، أي غلبه، وظهَر به أي غلب بسببه، أي بإعانته وأصل فعله مشتق من الاسم الجامد.
وهو الظَهْر الذي هو العمود الوسط من جسد الإِنسان والدَّواب لأن بالظهر قوة الحيوان.
وهذا مثل فعل (عَضَد) مشتقًا من العضُد.
و(أيد) مشتقًا من اليد ومن تصاريفه ظاهرَ عليه واستظهر وظَهير له قال تعالى: {والملائكة بعد ذلك ظهير} [التحريم: 4].
فمعنى {ظاهرين} أنهم منصورون لأن عاقبة النصر كانت لهم فتمكنوا من الحكم في اليهود الكافرين بعيسى ومزقوهم كل ممزق. اهـ.